بعض الصيادلة قادوا تنفيذ تحرك احتجاجي، اليوم الثلاثاء 13 تشرين الأول، موجّهين سهامهم ليس فقط على المستوردين والوكلاء، بل على صيادلة زملاء لهم يتواطؤون مع مستوردين وتجار سوق سوداء، لاحتكار وتهريب أدوية، وتحقيق أرباح جراء بيعها خارج السوق اللبنانية. وكذلك يستهدفون المرضى، وإن بشكل غير مباشر. وهم الذين سيتحمّلون في نهاية المطاف أعباء زيادة جعالة الصيادلة في ما لو تمت.
وبعيداً عن مدى أحقية مطالب الصيادلة بتسلّم كميات كافية من الأدوية من المستوردين والوكلاء، حفاظاً على مستوى أرباحهم اليومية، غير أن تحرّكهم اتخذَ من المرضى سلاحاً لتحقيق مكاسب أو تقاسمها مع مستوردي ووكلاء الأدوية، ما يضع الطرفين في خانة “التجار” الذين يتاجرون بعلاجات المرضى وصحتهم.
حقيقة التقنين
أغلقت اليوم مئات الصيدليات أبوابها في وجه المرضى، رفضاً لممارسات الوكلاء والمستوردين، التي وصفها صيادلة بالمجحفة والمخالفة للمادة 70 من قانون مزاولة مهنة الصيدلية، التي تمنع على موزعي الأدوية تقنين بيعها، وتلزمهم بتسليم الصيدليات كامل احتياجاتهم من الأدوية وفق الطلب.
ولأن منسوب القلق لدى المرضى ارتفع بعد تأكيد مصرف لبنان أكثر من مرة نيته رفع الدعم عن استيراد المواد الأساسية، ومن بينها الدواء، ارتفع حجم الإقبال على شراء الأدوية من قبل المرضى، تفادياً لانقطاعه أو ارتفاع الأسعار. ولا شك ان التهافت على شراء الدواء أحدث نقصاً إلى حدّ ما. لكنه من غير الممكن أن يتسبّب بالأزمة كما تبدو اليوم، أي بانقطاع عشرات الأصناف بشكل تام من كافة الصيدليات. وهو ما أكده رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي في حديث إلى “المدن”.
ما حصل أن النقص الناجم عن تهافت المواطنين على شراء الأدوية، دفع مؤخراً بمستوردي الأدوية والوكلاء، وبالتوافق مع وزارة الصحة، إلى اعتماد آلية تقنين معينة في التوزيع، ليتم تسليم كميات الأدوية المخصّصة لمدة زمنية محدّدة من دون زيادتها، تماشياً مع الطلب المرتفع. وذلك بهدف تنظيم التوزيع وضمان عدم انقطاع السوق من الأدوية. لكن ما حصل فعلياً أن عملية التقنين تم استغلالها من موزعين ووكلاء وحتى صيادلة. فعمد البعض إلى تخزين الأدوية، والبعض الآخر لم يتردّد بتهريب كميات من الأدوية والأمصال إلى الخارج. ووفق ما أكد رئيس “الهيئة الوطنية الصحية الإجتماعية – الصحة حق وكرامة” الدكتور اسماعيل سكرية في حديثه إلى “المدن”، فإن تجار الدواء يستغلون دعم مصرف لبنان للأدوية ويهرّبونها إلى مصر وليبيا والعراق ودول عربية أخرى. ويبيعونها بالعملة الصعبة لتحقيق أرباح مضاعفة، على حساب حرمان المرضى اللبنانيين منها.
إستنسابية في التوزيع
يعاني عدد كبير من الصيادلة من سوء توزيع وكلاء الأدوية، خصوصاً في منطقة بعلبك، حيث اشتكى أكثر من صاحب صيدلية من عدم حصولهم بشكل دوري على الأدوية المطلوبة، في حين أن صيدليات أخرى تحصل على طلبياتها من الأدوية. وقالت إحدى الصيادلة، إنها تضطر أحياناً إلى شراء أدوية من صيدليات زميلة من خارج البقاع. وهي تحديداً تتعاون مع إحدى صيدليات طرابلس، التي ترسل لها بعض النواقص بين الحين والآخر، وبسعر المبيع. بمعنى أنها لا تحقق أي أرباح من بيع أصناف محدّدة من الأدوية، إنما تقوم بتأمينها من صيدليات أخرى لزبائنها الدائمين، وغير القادرين على الحصول على أدويتهم من خارج المنطقة.
اتهامات بين الصيادلة
ولا تقتصر أزمة فقدان الأدوية وإضراب الصيدليات على التوزيع الإستنسابي بين الصيدليات والتقنين المتعمّد، ولا حتى على تخزين بعض المحتكرين وتجار “الصحة”، إنما أيضاً على التهريب خارج لبنان. وهو ما أكدته عملية إحباط محاولة تهريب كميات كبيرة من الأدوية والأمصال عبر مطار بيروت إلى الخارج. فالصناعات الدوائية تم دعمها لتأمين حاجة السوق خصوصاً من الأمصال، إلا أن الدعم لتلك الصناعات تحوّل للإستفادة من التصدير وتحقيق أرباح إضافية من العملة الصعبة خارج لبنان. وفي هذا الإطار، لم يتردّد بعض الصيادلة عن فضح زملاء لهم، خصوصاً بعد افتضاح أمر تهريب شحنات الأمصال ذات الصنع المحلي والمدعومة من مصرف لبنان، فاتهم أحد الصيادلة في حديث إلى “المدن” نقيب الصيادلة الحالي بأنه على علم بذلك، وربما انتفع أيضاً من الأمر، لاسيما أنه شريك في أحد مصانع الأمصال في لبنان.
ووفق المعلومات، فإن وزارة الصحة باشرت تنفيذ حملة تفتيش صيدلي على مستودعات الأدوية وإحصاء الكميات المستوردة، ومقارنتها مع ما يتم تسليمه إلى الصيدليات، لتبيان حقيقة فقدان كميات وأنواع كثيرة من الأدوية.
تحذير من التصعيد
أما عن التحرك التحذيري للصيادلة وتنفيذ إضراب اليوم، فمن المرجّح أن تستتبعه تحركات تصعيدية، ما لم يتم ضبط السوق وحماية حقوق الصيادلة و”لجم” ممارسات المستوردين والوكلاء. والأهم من كل ذلك، أن يتم رفع جعالة الصيادلة. وحسب ما تنادي نقابتهم، فإن الصيادلة يتعرّضون للغبن على أكثر من صعيد، على ما يقول نقيب الصيادلة غسان الأمين في حديث إلى “المدن”. فالصيادلة لا تقتصر معاناتهم على عدم استحصالهم من المستوردين والموزعين على كميات كافية من الدواء، إنما أيضاً على فقدان القيمة الشرائية لأرباحهم البالغة نسبة 22.5 في المئة.
إذاً، المطلوب اليوم من قبل الصيادلة زيادة أرباحهم، ما يعني رفع أسعار الأدوية على عاتق المرضى. وكما كافة أركان القطاع الإستشفائي والصحي، يمارسون الضغوط على السلطات الرسمية والمرضى، في سبيل تعويض أرباح على حساب المرضى تحديداً.