رأي في الانتفاضة الشعبية 17 تشرين الاول 2019 .
لقد كان للأتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان Fenasol .
دوراساسي كغيره من المنظمات الجماهرية وهيئات المجتمع المدني ، وان ذلك ليس جديدا” على الاتحاد الوطني ، لقد كان له دور في تحركات شباط 2010 و 2015 وفي ومعركة اسقاط النظام عام 2015 ، ومعارك النقابات والمطالب المتعلق بالاجور والنقل والطرد التعسفي وحقوق العمال .. وخاصة العمال المهاجرين والعاملات في الخدمة المنزلية في الدفاع عن حقوق المستأجرين القدامى وتأتي انتفاضة 17 تشرين الاول كأطار جماهيري لاستكمال معركة الكرامة والحياة في مواجهة نظام المحاصصات السياسية والطائفية والمالية الذي أنتج الازمة الوطنية العامة ، وجعل من اقتصاده الريعي وسياساته الماية وفساده في المؤسسات والادارات العامة مديونية وصلت الى 100 مليار دولار يحاول تحميلها للشعب اللبناني بعد اغراقه في البطالة والجوع والقهر والفقر والهجرة ..
لذلك ، فإن الانتفاضة الشعبية الوطنية انطلقت للدفاع عن حقوق هذا الشعب واجراء الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتوفير التقديمات العامة والتقديمات الصحية والسكنية والخدماتية لجميع ابناء الوطن .
حتى الان ، لقد استطاعت الانتفاضة الشعبية اثبات وجودها كقوة وكرقم صعب في السياسية ، واستطاعت بصمودها اسقاط الحكومة ، ووسعت من مراقبتها ومحاسبتها لقوى السلطة ، وابراز الهدر العام ، والانفاق الغير المشروع ، وفضح حالات الفساد ..
كما استطاعت توجيه التحرك نحو الأهداف التي لعبت بالاضافة الى الحكومات المتعاقبة في اهيار الوضع الاقتصادي وتحقيق ارباح فاحشة على حساب الطبقة العاملة وهي البنك المركزي و المصارف التجارية ومؤسسات الاتصالات الخاصة وبأتجاه الاملاك العامة البحرية والنهرية المسروقة الخ…
كما اثبتت هذه الانتفاضة باستقلاليتها ووطنيتها وتخطيها للحواجز الطائفية بأنها من اهم التحركات النوعية الكبرى . لذلك ، حاول بعض من اطراف السلطة ابرازها انها مشبوهة ومرتبطة بالخارج ، كما حاول البعض الأخر ركوب موجتها لتبيض صفحته ، أو تحسين شروطه في السلطة ، لكن الاطراف المتصارعة على الحصص القادمة أسقطت هذه الرهانات ، وحققت أولى اانتصاراتها باسقاط الحكومة .
ثم استطاعت الانتفاضة ان تعطل الغام جدول اعمال المجلس النيابي اكثر من مرة ، واسهمت في ايصال نقيب للمحامين من اهل المجتمع المدني متغلبا” على تحالف قوى السلطة المجتمعة ضد المستقلين في انتخابات النقابة مؤخرا”، كذلك حصل الامر في مجلس نقابة أطباء الاسنان .. كما ساهمت في تعرية سلطة الفساد ووسائلها في القمع والتوقيف ، وحصنت المؤسسة العسكرية وعززت وحدة الجيش والمتقاعدين والموظفين مع الناس وقضاياهم ، وحركة القضاء المالي ، والزام الكتل النيابية والوزارية بالاعلان عن رفع السرية المصرفية لحساباتهم .
هذا عدا عن تجليات الوحدة الوطنية وافساح المجال امام الشباب والطلبة والنساء في قيادة واجهة الحراك الشعبي والتعبير عن ارائهم ، ما ارعب قوى السلطة من وعي هذه الكتلة الجماهرية وقدراتهم على الابداع والمبادرات والتصدي بوعي وثقافة وطنية لكل الممارسات القمعية والتسلطية والبلطجية التي تم ممارستها على مدى الشهر ونصف الفائت .
هذا بالاضافة الى كسر احتكار الاعلام التقليدي لممثلي الطبقة البرجوازية الطائفية وممثليها وموظفيها من الاعلامين ، لتفتح الانتفاضة ابواب الاعلام لنقل مشاهد الجوع والفقر والحرمان والقهر الحقيقي الذي احدثته هذه الطبقة المسيطرة على مدى 30 سنة من حكمها الطائفي والريعي الفاسد ، كما فتحت الشاشات امام وجع الناس وعرض للمشاكل والازمات الوطنية والشخصية وعرض الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية من اجل مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية والركامة الوطنية والانسانية .
مع ما يعني ذاك من مسؤولية تتحملها الطبقة المسيطرة واحزابها الطائفية ، ونقاباتها التابعة لها ، التي هي صورة طبق الاصل عن احزابها الطائفية والواقفة ضد الطبقة العاملة من اجل حماية مصالحها ومراكزها ومواقعها خدمة لاسيادهم في السلطة الذين كلفوهم تفتيت وتقسيم وشل عمل الحركة النقابية الديمقراطية المدافعة الحقيقة عن مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية المقهورة من ظلم واستغلال وجوع الطبقة الرأسمالية الرجعية الحاكمة .
ان الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان بالتعاون والتضافر مع نقابات وهيئات نسائية وشبابية وطلابية وهيئات من المجتمع المدني والاهلي ولجان الدفاع عن حقوق المستأجرين ، لعب دوره النقابي المدافع عن حقوق الطبقة العاملة وعموم الحركة الجماهيرية والفئات الكادحة من اجل بناء قاعدة عمالية وشعبية ديمقراطية لبناء الوطن الديمقراطي العلماني .
وقد ساهم هذا الدور في الخيم واقامة اللقاءات والحوارات الدائمة في بيروت – ساحة رياض الصلح وفي كافة ساحات الحراك الشعبي من الشمال – طرابلس الى الجنوب – النبطية وكفررمان والبقاع والجبل حيث تقام يوميا ندوات وحوارات ونشاطات تطال عناوين مطلبية اجتماعية واقتصادية وسياسية ونقابية وحقوقية مختلفة .
وهذا بالاضافة الى تشكيل شبكة علاقات مستمرة مع الحركة الطلابية والشبابية والنسائية ومع الشباب العاطل عن العمل او الذين يدخلون سوق العمل للتوعية على حقوق العمال ودور النقابات وقانون العمل والضمان وعلى دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومجالس العمل التجكيمية .. من اجل معرفة الارضية القانونية لحقوق العمال .
كما تهتم مجموعات عمل الاتحاد الوطني للنقابات بتوزيع المطبوعات والمنشورات المتعلقة بقضايا حق العامل او العاملة .
ثانيا في الانجازات المؤسسة للبنان الجديد .
اصبحت الانتفاضة القوة الاكثر حضورا وتاثيرا في المعادلة ،فيما ارباب النظام السياسي الطائفي تتوسع هوة تناقضاتهم وخلافاتهمالسياسية . وكل طرف يحاول تحسين شروط حصته وموقعه في تركيبة الحكومة الجديدة .فمن طرح حكومة تكنوقراط او حكومة تكنو- سياسية تعيش البلاد ازمة سياسية واقتصادية خطيرة وغلاء متزايد في الاسعار وانعدام الرقابة على السلع الاستهلاكية ، وافتعال ازمات منها البنزين والدوية والخبز بحجة هبوط سعر صرف الليرة بعد حجب الدولار عن السوق وترك السوق لجشع المصارف والصرافين . في وقت يجري فيه حرق المرشحين المحتملين الى مجلس الوزراء وسط خلافات علنية لاطراف النظانم السياسي . لكن رغم كل الصعوبات فإن قوى السلطة تتهيب ردود فعل الحراك الشعبي ، الذي استطاع حشر كل الاطراف في زاوية المسؤولية عن الازمة والانهيار الاقتصادي والنقدي والمالي . وشراكة الجميع في تحاصص النهب والسرقة والفساد جراء السياسات المعتمدة تحت صيغة ” التوافقية الطائفية ” .
فالطبقة الراسمالية ونظامها الطائفي تنهار . هذا الامر انعكس في ممارسات اطراف النظام السياسي منهم ، من حاول قمع الانتفاضة الشعبية عبر استعراض عضلاته الميليشياوية وضرب المنتفضين وحرق الخيم في الساحات على مراى من القوى الامنية المسؤولة عن حماية المواطنين وحقهم في التظاهر الديمقراطي السلمي ومنهم من حاول الالتفاف على الانتفاضة وتبني المطالب الشعبية الاجتماعية كمحاولة مكشوفة لمواجهة شركائه في السلطة لتحسين شروط حصته السياسية والشخصية الفئوية وليس بهدف الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفقراء الجائعين المقهورين بفعل تحالف قوى السلطة مع الطغمة المالية وبرعاية الطائفية .
لكن كل هذه المحاولات للقضاء على الانتفاضة وتهديد السلم الاهلي لم تنجح ، بفضل وعي اطياف الانتفاضة الشعبية التي تصدت لكل محاولات التطييف والحروب الاهلية وضد شبيحة السلطة ايضا” بالصمود والوحدة وتوضيح الاهداف الوطنية الديمقراطية للانتفاضة .
وقد مثلت ظاهرة امهات ضد الحرب في منطقة عين الرمانة والشياح ، وفي منطقة الاشرفية والخندق الغميق الرد الوطني المباشر لتطويق كل محاولات من يريد ادخال البلاد في الحروب والاقتتال الاهلي . حيث جاء الرد من النساء اللواتي واجهنا العنف بالورود والشعارات الوطنية الداعية لنبذ الاقتتال والعيش ضمن الوطن الديمقراطي الواد . وحملت الشعارات دلالات على اهمية دور المرأة اللبنانية في تقديم الصفوف دفاعا عن لقمة العيش والكرامة والوحدة الوطنية .
لقد اثبتات الانتفاضة الشعبية الوطنية حقيقة ان البلاد في ازمة والنظام السياسي الطائفي في ازمة عميقة لا يمكن الخروج منها الا بالشروع في وضع خطة انقاذية من اجل تطبيق الدستور اولا : من خلال تطبيق المادة 22 و 95 من الدستور اللبناني كمقدمة من اجل الخروج من الطائفية ، والطائفية السياسية . واعتماد قانون انتخابي عصري يقوم وفق الدستور على الدائرة الوطنية االواحدة والنسبية وخارج القيد الطائفي . باتجاه بناء الدولة الوطنية الديمقراطية على قاعدة اقتصاد وطني منتج بديلا عن الاقتصاد الريعي ، والتنمية الشاملة والمستدامة واقرار قوانين المراقبة والمحاسبة ، مع فصل السلطات واستقلالة القضاء واعطاء العمال والعاملات حقوقهم كاملة .
قبل ان تتفاقم الامور نحو الدمار الاقتصادي الشامل ، وسرقة اموال المودعين، واغلاق المؤسسات الصغيرة ، وضرب ما تبقى من زراعة وصناعة لذلك ، فأن الاسراع في تشكيل حكومة مطلبية مستقلة ذات صلاحيات استثنائية لمرحلة انتقالية تحمل برنامجا وطنيا لاسترداد الاموال المنهوبة ووضع خطة اقتصادية انقاذية وطنية واقرار انتخابات مبكرة على اساس قانون وطني خارج القيد الطائفي اكثر من ضرورة قبل ان تاخذ الطبقة الرأسمالية الرجعية الحاكمة البلاد الى هاوية الموت والدمار .
ثالثا الفرص والتحديات امام الحراك :
التحديات امام الانتفاضة كبيرة جدا” وحساسة جدا” بحاجة الى تنظيم وتبلور لخططها وبرامجها ، وهي بحاجة الى تحصين وحدتها وتعزيز صمودها الوطني والمستقل ، ومنع استغلالها من قبل اي طرف من اطراف السلطة وتحت اية حجة سياسية ، طالما تحافظ على سلميتها وديمقراطيتها ووطنيتها .
كما ان امام الانتفاضة ، ومنا ايضا كنقابات وطنية ديمقراطية ، وكأتحاد وطني للنقابات ان نحمي الانتفاضة ونعزز وظيفة اهدافها ، واشراك صفوف الطبقة العاملة اليها بشكل فعال ، بصفتها القوة الاساسية الى جانب كل القوى الوطنية وهيئات المجتمع المدني الحريصة على تحقيق اهداف شعبنا المنتفض من اجل انتزاع حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية : في العمل والكهرباء والمياه والطرقات والنقل والبيئة النظيفة، بالاضافة الى تعزيز ثقافة المساواة وحرية التعبير وحرية القول والكلمة والحوار ، وتجنيد كل الطاقات من التغيير الديمقراطي واسقاط النظام السياسي الطائفي الفاسد .
كاسترو عبدالله
رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان Fenasol
بيروت في 31/12/2019