عود على بدء، المصارف ثم المصارف ثم المصارف فمعضلة ازمة اللبنانيين مع القطاع المصرفي فاقت المقولة القائلة عند اكثرية المواطنين «بلغ السيل الزبى»، في ظل هذه التصرفات غير المسؤولة والتي تفتقد الى ادنى الحسّ الانساني، مع ان المودعين يريدون حقوقا لهم، الغالبية العظمى منهم جمعوا «قرشهم الابيض البسيط ليومهم الاسود» ولكن على «من تقرأ مزاميرك يا داوود» فأصحاب المصارف صمّوا آذانهم والدولة بكل مؤسساتها غائبة ولا ترى من الحكومة الى مصرف لبنان الى القضاء الى كل من يعنيه الامر بتطبيق القانون اولا وفي الالتفات لصرخات ومعاناة اللبنانيين وخاصة اصحاب الودائع الصغيرة بالعملة الاجنبية.
وبدل ان تحرك ازمات اللبنانيين التي تفاقمت في الاسابيع الثلاثة الماضية مع تفشي كورونا وما استتبع للضرورات الوطنية من اقفال للقطاعين العام والخاص وفق تأكيد خبير مالي وبالتالي انعدام القدرة لدى فئات واسعة بالحصول على ما يسدّ قوت يومهم من قدراتهم الشرائىة ولجوء معظم القطاع الخاص لوقف رواتب العاملين لديه فعلى المصارف التعاطي بحد ادنى مع حاجات المودعين بالعملة الاجنبية لتسيير شؤون حياتهم ومتطلباتهم الضرورية وقد عمد اصحاب المصارف الى التمنع حتى عن سحوبات بسيطة لا تتعدى مائة دولار او اكثر بقليل في الاسبوع قبل قرار الحكومة بالاقفال العام بل وتمنعوا بقوة «الدولة العقيمة» التي يمثلونها ومن معهم من حيتان المال وغطاءات سياسية تدفع نحو الانهيار الشامل وعلى طريقة حكم المافيات والعصابات على اقفال المصارف امام المودعين ولا من يسأل او يتحرك من الدولة بكل ما فيها وكأن الجميع عل «رؤوسهم الطير» خصوصا ان احتجاجات اعداد واسعة من المودعين باتت على كل شفة ولسان لعدم تمكن من لديه حساب بالدولار لسحب بعض لما بحاجة له ولو ان بعض المصارف تسمح بسحوبات بين مائة ومائتي دولار كمن يتسول في الشارع واما المصارف التي تتمنع عن سحوبات بالدولار تفرض على المودعين احتساب ما يحتاج اليه بسعر الدولار الرسمي اي 1520 ليرة والامر ذاته يحصل مع المودعين في المصارف التي تسمح بسحوبات بسيطة حيث اي مودع يريد مبلغا يفوق المبلغ المحدد من قبل مصرفه يتم احتساب ما يريده من عملة صعبة بالسعر الرسمي.
ولذلك فالسؤال الذي لا تجيب عليه المصارف ولا اي جهة مسؤولة في الدولة لماذا اصرار القطاع المصرفي على نهب ما تبقى من اموال المودعين بـ (hercat) وبكل انواع التحليل والفرمانت من جانب اصحاب المصارف.
وفي تأكيد الخبير المالي ان كل ما تعمدت اللجوء اليه المصارف ومن يغطيها ويتلكأ على محاسبتها يعبر عن مدى رأسمال المال المتوحش الذي بلغه هؤلاء ومن يغطيهم في ظل الاصرار عن سابق تصوّر وتصميم لاستكمال نهب ما تبقى من اموال للمودعين خاصة الصغار منهم في مقابل الصمت المطبق من جانب كل المعنيين في الدولة على «بلطجية» اصحاب المصارف فلو كان هناك حرص على مساعدة الجزء الاكبر من المودعين من اصحاب الودائع الصغيرة فهو او كان هناك نية في منع التمادي بالانهيار بافلاس اللبنانيين لكانت قضية القطاع المصرفي عموما والمودعين خصوصا اخذت طريقها نحو الحلحلة او على الاقل معرفة اللبنانيين والمودعين بمصيرهم ومصير ودائعهم وهو ما كان على الجهات المعنية في الدولة طالما ان المصارف تمعن في اعتماد الضاببية وفي التمنع عن اعطاء المودعين حقوقهم ان تسارع الى جملة خيارات او البعض منها على الاقل:
1- لا مبرر امام المصارف من التمنع عن اعادة العمل بالسحوبات بالدولار ضمن حدود معقولة وفي الدرجة الاولى للمودعين الصغار خصوصا ان حوالى 60 بالمئة من المودعين اي بحدود 1.7 مليون منهم لا تزيد مجمل ودائعهم عن 950 مليون دولار بينما عمد اصحاب المصارف فقط لتهريب ما يزيد عن 3.5 مليار دولار نهاية العام الماضي الى جانب ما تعمد تهريبه كبار حيتان المال بالتوازي مع المعلومات التي تتحدث عن رئىس جمعية المصارف سليم صفير باع ما يقارب عشرة بالمئة من محفظته باليوروبوند من بنك بيروت للاجانب قبل فترة اضافة الى لجوء مصارف اخرى لبيع جزء من مستنداتها خارج لبنان.
2- يتجاهل أصحاب المصارف الكشف عن حقيقة ما وصلت اليه أوضاعهم المالية، وودائع ما يصل الى ثلاثة ملايين لبناني ومصيرها، في وقت يؤكد تقرير مصرف لبنان ان أرباح المصارف وصلت لأكثر من عشر سنوات الى ما يزيد عن 30 مليار دولار سنوياً، عدا عن ارباحها في الفترات السابقة والهندسات المالية، بل تعمد على الايغال في لعبة «حافة الهاوية» على حساب اللبنانيين والاقتصاد اللبناني، بعد ان هرّبت جزءاً كبيراً من أموال المودعين الى الخارج.
3- لم تحرك المصارف ساكناً لاعادة الاموال التي هرّبتها للخارج حتى تلبي بعضاً من حاجيات زبائنها، مع ان الخبير المالي يشير الى ان لدى المصارف في لبنان من اموال بالعملة الصعبة ما يمكنها من تمكين المودعين الحصول على مبالغ معقولة، خصوصاً مع حاجة هؤلاء نظراً لتعطل اعمال اللبنانيين، خاصة الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، وإذا ما كانت المصارف عاجزة عن ذلك، فلتلجأ الى اعادة الاموال التي هرّبتها، وفي الحد الادنى اظهار حقيقة ما بلغه الوضع المصرفي.
4- حتى ان المصارف تعمدت الى وضع العراقيل والمطبات امام التعميم الذي اصدره حاكم مصرف لبنان مؤخراً والقاضي باعطاء قروض لأصحاب المؤسسات الخاصة التي تعاني من صعوبات حتى تتمكن من دفع رواتب العاملين لديها، حيث تتمنع المصارف تحت حجج مختلفة من القيام بما عليها حتى تتيح لهؤلاء الحصول على ما يحتاجونه من قروض، وفصلها التعميم.
5- لا المصارف ولا الحكومة وضعت خطة لاعادة النظر بالقطاع المصرفي بكل مندرجاته الرسمية والخاصة، وفي الدرجة الاولى، بدءاً من دمج كل مجموعة من المصارف حتى يتم خفض عدد هذه المصارف من 71 مصرفاً اليوم الى عدد لا يتجاوز عدد اصابع اليدين في وقت لم يعدّ ممكناً في ظل الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي استمرار هذا الحجم الكبير بالتوازي مع انعدام التحويلات والاستثمارات من الخارج، وبعد ان تراجعت الثقة داخلياً وخارجياً بهذا القطاع بشكل لم يسبق له مثيل، حتى ان فقدان الثقة بالمصارف لم يبلغه هذا القطاع مع انهيار بنك انترا عام 1966، وبما يؤدي الى تنظيف القطاع المصرفي من كل الادران والموبقات التي عانى منها خلال السنوات الثلاثين الماضية، وبالاخص استسهال الربح السريع من خلال السياسات الريعية.
6- ان ما يثير الريبة في تعاطي اصحاب المصارف، ما يتعلق بتخليها عن مسؤولياتها الوطنية ليس فقط في البنود المذكورة، انما الأكثر اثارة بين كل ذلك، وحتى الدفاع عن بقائها ووجودها، تمثل في المساعدة التي قدمتها للحكومة لمواجهة تفشي كورونا واقتصرت على ستة ملايين دولار، حيث من المعيب كما قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هذا التعاطي الذي يشبه «حبة الاسبرين لمريض السرطان» بينما لدى المصارف ان ترفع المبلغ اكثر من مائة مرة في الحد الأدنى.
ومن كل ذلك يؤكد الخبير المالي ان الامعان في افقار اللبنانيين من جانب أصحاب المصارف، من شأنه ان يضع كل المتضررين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما السكوت على تفشي المجاعة، وإما دفع البلاد نحو انفجار اجتماعي غير مسبوق، وهذا المسار يريد آخرون دفع البلاد اليه على غرار المبادرة المشبوهة التي تقدم بها رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير والقاضية «بمد اليد» الى اموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو بذلك يمعن في إفقار اللبنانيين كما حصل مع الزيادة على اسعار «الوتساب» التي كانت الشرارة لاندلاع الحراك الشعبي، ويخلص الخبير المالي الى القول ان الاصرار على كل هذه السياسات من حيتان المال بكل أسمائهم، بالتوازي مع تلكؤ الحكومة والجهات الرسمية الاخرى بمعالجة الانهيار الاجتماعي للمواطنين من شأنه ان يخرج الامور عن السيطرة في وقت قريب. |