الرئيسية / بيانات / مقال محمد زبيب الاوليغارشية تقسم الناس

مقال محمد زبيب الاوليغارشية تقسم الناس

اسوء ما يحصل الآن ان الاوليغارشية نجحت بتقسيم الناس بين حزب “المودعين” وحزب “الهيركات”. وهذا ينطوي على تضليل اعلامي كبير ومحاولة حثيثة لطمس طبيعة الصراع الجاري تحت عنوان توزيع الخسائر المحققة، والسعي لتحميلها للمجتمع ككل عبر تشليحه ممتلكاته العامة واحتياطي الذهب.

لا جدال في ان تراكم الدين هو من اهم قنوات اعادة التوزيع العكسية، اي من فئات الدخل الادنى الى فئات الدخل الاعلى، وكانت الفوائد المرتفعة جدا نهبا خالصا وكذلك الفساد المتفشي. ولكن كل كلام عن ان افلاس الجهاز المصرفي ونضوب السيولة بالدولار سببهما “الافراط في الانفاق” هو هراء.

الازمة كامنة في الجهاز المصرفي نفسه. فعلى مدى سنوات طويلة كان يجري الحفاظ على معظم البنوك حيّة (زومبي) بشكل مصطنع، من خلال تحمّل مصرف لبنان الخسائر عنها ومراكمتها في ميزانيته.

الجزء الاكبر من “الديون السيادية” لا علاقة له بالانفاق العام “المفرط”، بل نشأ كنتيجة لتدخّلات الحكومة ومصرف لبنان لادامة وضع غير قابل للديمومة وتأجيل الافلاس الوشيك عبر ضخ الارباح والرساميل في المصارف على حساب المال العام.

43 مليار دولار من الخسائر تراكمت في ميزانية مصرف لبنان، نتيجة عملياته مع المصارف، ولا سيما الهندسات المالية، والتي كان احد اهم اهدافها هو “تدعيم ميزانيات المصارف” لا “الموازنة العامة”، وفق ما كان قد اعلنه رياض سلامة بلسانه في ايلول 2016، وزعم حينها ان هذه العمليات بلا كلفة ولا ترتب اعباء على احد متل السحر، واذا بنا الآن مدعوون لتحمل خسائر طائلة من جراء ذلك. (الرابط في التعليق الاول)

للتوضيح فقط:
من اصل 149 مليار دولار من الودائع بالعملات الاجنبية، هناك اقل من 13 مليار دولار موظّفة من سندات الدين (اليوروبوندز)، وهي لن تُشطب كلّها وستخضع للتفاوض. وتكاد الخسائر في قروض القطاع الخاص تساوي الخسائر في سندات دين الحكومة، في حين ان اكثر من نصف الخسائر محققة في مصرف لبنان قبل الحديث عن اعادة هيكلة الدين العام.

للاسف، تنجح الاوليغارشية المصرفية بتحريف الحقائق، وتشيع عبر ادواتها السياسية والاعلامية وخبرائها: بما ان الازمة سببها السياسيين، فعلى الدولة، اي الناس كلّهم، تحمّل الخسائر وتعويضها من خلال التخلي عن الاصول العامّة للدولة التي يُفترض ان ملكيتها تعود للمجتمع ككل وليس للسياسيين الفاسدين.

لو سلّمنا (وهذا غير صحيح اطلاقا) ان على الدولة (حكومة وبنك مركزي) ان تفي بديونها، فان ذلك لا يلغي القاعدة التي يقوم النظام الراسمالي عليها، وهي ان على صاحب رأس المال ان يتحمل مخاطر توظيفاته وسوء ادارتها، من دون ان يلغي ذلك مسؤوليات الآخرين.

علينا ان نتذكر دائما: ان الوديعة هي دين على البنك وليس على المجتمع. واذا اردنا التبسيط الى اقصى حد، فانك عندما تقرض صاحبك 100 دولار، وهو خسرها في لعب القمار مثلا، فانك لن تذهب الى الكازينو لمطالبته برد المئة دولار بل ستطالب صاحبك بها وتحمّله مسؤولية ادمانه على القمار.

يجري خداع الناس انهم امام خيارين فقط: امّا قص الودائع وامّا قص ممتلكات الدولة. في حين ان الخيارات لا يجب ان تكون ابدا بين خسارة الودائع او خسارة الاصول العامّة، بل يجب ان تقوم على اعادة كل حق الى اصحابه، وتحميل كل طرف مسؤولياته كاملة ورفض كل محاولة لتجييرها الى الغير.

ان اصحاب المصارف، لا المودعين ولا الدولة، هم اول من يجب ان يخضع لقصة شعر معتبرة، فهم المدينين للمودعين بودائعهم، وهم الذين خاطروا بهذه الودائع واساؤا التصرّف بها وعليهم ان يتحملوا المسؤولية قبل اي طرف آخر.

يجب ان تغطّي الاموال الخاصة للمصارف (20.8 مليار دولار) ما يوازيها من خسائر. ويجب ان تجمّد ودائع المساهمين والمدراء التنفيذيين للتحقيق بها. ويجب استرداد الارباح الاستثنائية الناتجة عن الهندسات المالية وعمليات انقاذ بعض المصارف ودعم ربحيتها واطفاء خسائرها من دون اي مقابل.

هذا يعني اعادة هيكلة شاملة لمصرف لبنان والمصارف، وبالتالي كف يد جميع المسؤولين الحاليين وتنظيف ميزانيات المصارف وفصل الجيّد عن السيء ودمجها واعادة رسملتها، سواء بضخ رساميل جديدة من مساهمين حاليين او جدد او عبر انشاء مصارف عامة ومختلطة او تعاونية بين المودعين.

ثم، يجب فرض ضريبة استثنائية تصاعدية على راس المال والثروة للمساهمة بتغطية الخسائر الناتجة عن اعادة هيكلة الدين الحكومي حصرا، وتأمين جزء من الموارد المطلوبة لاعادة تأسيس الدولة والاقتصاد وحماية المجتمع وتمكين الطبقات الفقيرة والمتوسطة من العبور باقل الاضرار.

الضريبة الاستثنائية يجب ان تترافق مع الية سريعة للتحقيق في نتائج الحسابات المالية النهائية للدولة، التي انجزتها المديرية العامة في وزارة المال ونامت في ادراج ديوان المحاسبة وتتهرب الحكومة ومجلس النواب من فتحها لطمس المسؤوليات الشخصية، الجنائية والسياسية، التي تترتب عنها، والتي تُعد ركنا رئيسا من اي عملية جدية لاسترداد الاموال المنهوبة.

امّا المودعين، فيجب عليهم ان يختاروا: امّا الغاء السرية المصرفية كليا، وبالتالي التدقيق بكل حساب مصرفي لوحده لكي لا يتحملوا مسؤولية جرائم لم يشاركوا بها، وامّا ان يبقوا رهائن الاوليغارشية المصرفية التي تتخذهم متاريس للدفاع عن منظومة النهب والاستغلال التي اودت بودائعهم.

اخيرا وليس اخرا، قبل اي حديث عن بيع الاصول العامة وعقارات الدولة ورهن الذهب لتعويض الخسائر او مبادلتها بالودائع، فلنبدأ ببيع اصول المصارف واستثماراتها، ولا سيما في الخارج، واستعادة الودائع المهربة وضخ السيولة بالعملات الاجنبية في النظام المصرفي. اليس هذا بديهيا.

عن Fenasol123

شاهد أيضاً

اعتصام مركزي في رياض الصلح

  شارك الاتحاد الوطني لنقابات العمال  والمستخدمين في لبنان في  الاعتصام الذي جرى في رياض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com