نص المؤتمر الصحفي
للجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان الذي القته الدكتورة ماري الدبس
حضرة ممثلي وسائل العلام
السيدات والسادة
منذ بضعة أيام، وبالتحديد بعد إعلان وزير المالية عن عزمه إدراج مسألة الصندوق المقر في القانون التهجيري في الموازنة، وأصحاب الشركات العقارية والمالية، الذي صيغ هذا القانون لمصلحتهم وعلى قياسهم، يبثون الإشاعة تلو الأخرى بأن قطع الرؤوس قد أينع وحان وقت طرد المستأجرين القدامى إلى الشارع وأن هذا الأمر يعد انتصارا للحرية الاقتصادية، الفريدة من نوعها، التي كرّسها الدستور السابق والحالي.. إلى آخر المعزوفة التي طالما سمعناها، وخاصة منذ العام 2014.
ونود، في هذه العجالة، أن نعيد إلى أذهان أصحاب الرؤوس الحامية والأموال معروفة المصدر، الذين يظنون أنه من السهل عليهم وضع الناس في الشارع بعد إخلائهم بالقوة، ما هو موجود فعلا في الدستور اللبناني وفي الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ساهم لبنان في كتابة نصوصه وأبرمته السلطات اللبنانية منذ جلاء جيوش الانتداب عن أراضينا.
تقول المقدمة الجديدة التي أضيفت في العام 1990 إلى الدستور اللبناني ما يلي:
ج – لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
ز – الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
ط – ارض لبنان ارض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.
ي – لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
وبما أن المستأجرين هم بأغلبيتهم مواطنين لبنانيين، فلهم الحق في السكن، خاصة وأنهم دخلوا إلى مكان إقامتهم استنادا إلى عقود شرعية مسجلة رسميا وأنهم دفعوا، حتى الآن، أضعاف ثمن المأجور الذي يشغلوه ولم يتخلفوا يوما عن تنفيذ ما هو متطلب منهم، بل إنهم حموا البيوت والشقق السكنية يوم كان احتلالها متاحا… علما أن من احتل أعطي عشرات آلاف الدولارات بينما ألغي التعويض الذي كان منصوصا عليه في القانون السابق 160 / 92 وأرفق هذا الإلغاء، وبالاستناد إلى بعض التفسيرات معروفة المصدر والأسباب، بتهديدات مبطنة يسمعها المستأجرون القدامى يوميا أو ببعض الإغراءات التي تقول “خذ قرشين واستفد واترك المأجور قبل فوات الأوان”.
لقد سبق لنا أن قدمنا عدة طعون بهذا القانون الأسود التهجيري، استنادا ليس فقط إلى ما جاء في الدستور، الذي يسمو على القوانين وتتراجع أمامه التفسيرات والتقديرات، بل كذلك استنادا إلى الثغرات الفاضحة التي تتخلل القانون. وعلى الرغم من حقوقنا الواضحة التي أكدتها مطالعات المجلس الدستوري، أصر مجلس النواب، بأغلبية أعضائه, على إمرار القانون، أي على طردنا وعائلاتنا إلى المجهول واسترضاء من يملك المال الذي يؤدي إلى تثبيت النفوذ. غير أننا لم ولن نستسلم. ونحن نستند في ذلك إلى القرارات والمطالعات القانونية التي صدرت منذ ما بعد الصدور الجديد للقانون التهجيري في شباط 2017. هذه المطالعات، التي أدت إلى مواجهة محاولات البعض استصدار أحكام غير قانونية لإخلاء بعض المستأجرين. وأول هذه القرارات ذلك الذي صدر عن المحكمة الاستئنافية المدنية في بيروت، في 12 حزيران 2017، أي منذ أقل من عام والذي لا يزال معمولا به حتى الآن.
يقول القرار أن على القضاء العدلي رد دعاوى الايجارات المتعلقة بتطبيق الزيادات على بدلات الإيجار، وذلك لعدم صلاحيته، نظرا إلى أن البت بالنزاع بين المستأجرين القدامى ومالكي الأبنية المؤجرة بات، وفق ما ينص قانون الايجارات الجديد، من صلاحية اللجنة التي، بحسب هذا القانون، تمتلك الصفة القضائية، والتي من المفترض أن تتشكل بموجب المادة السابعة منه. فأين هي اللجان؟ وكيف سينفذ القانون في حال عدم وجودها… أم أن بعض كبار المالكين والشركات العقارية يظنون أننا نعيش في شريعة الغاب وأن بإمكانهم إخراج المستأجرين بالقوة ومن لا يخرج يصيبه ما أصاب بعض العائلات في الأشرفية سابقا وبرج البراجنة مؤخرا؟
أما الذين بدأوا ببث الإشاعات عن وقف العمل بالمادة 58 من القانون الأسود، التي تنص على “تعليق أحكام مواد هذا القانون المتصلة بحساب المساعدات والتقديمات، كما المراجعات القضائية في الأساس، أو التنفيذ، أو الأحكام التي سبق وأن صدرت والتي تؤدي إلى تحديد بدل إيجار أو إخلاء المستأجر المعني بتقديمات الصندوق المذكور إلى حين دخوله حيز التنفيذ”، فنقول لهم أن “يخيطوا بغير هذه المسلة”. فالمادة 58 ما تزال نافذة، استنادا إلى أن الصندوق ما زال غير موجود، من جهة، وإلى أن اللجان التي ستبت بأمور المراجعات والأحكام وغيرها غير موجودة أصلا…
والأهم من هذا وذاك أن المسألة تتعلق بمليون لبناني على الأقل من المستأجرين في أمكنة السكن، يضاف إليهم عشرات آلاف من صغار المستأجرين للمحال التجارية والصناعية والحرفية، في وقت تزيد فيه الأزمة الاقتصادية، والمعيشية عموما، الأوضاع سوءا باعتراف الدراسات الصادرة مؤخرا، ومنها دراسة الأمم المتحدة التي أطلقت إنذارها بأن نسبة اللبنانيين الذي انحدروا تحت خط الفقر تعدى الأربعين بالمئة.
من هنا نقول لمن يحاول صم أذنيه، من المسؤولين في السلطتين التشريعية والتنفيذية، أن مسألة حق السكن لا تحل عبر رمي المستأجرين في الشارع أو حرمانهم من حقوقهم، ومنها حق التعويض. لقد حاولنا طويلا المساعدة في إيجاد الحلول التي تنصف مليون مستأجر قديم وكذلك بضعة آلاف من صغار المالكين. وهي حلول ترتكز إلى وجود مؤسسات رسمية تعتمد العدالة الاجتماعية مقياسا، فلا تشرد ولا تلغي الحقوق، بل تحاول حل الأزمة التي نعرف جميعا أسبابها، بدءا بما دمرته الحرب الأهلية وكذلك العدوان الإسرائيلي ووصولا إلى إنشاء الشركات العقارية التي تحاول أكل الأخضر واليابس بحجة الإعمار.
من هنا أيضا نعود للتأكيد على ما أقرته الجمعيات العمومية للمستأجرين، وآخرها تلك التي انعقدت الأسبوع الماضي:
أولا – سحب القانون الأسود التهجيري من التداول نهائيا والعودة إلى القانون 160 / 92 بانتظار وضع سياسية إسكانية شاملة تنصف المستأجرين القدامى، خاصة من هم من ذوي الدخل المحدود، ومعهم صغار المالكين.
ثانيا – ربط تحرير العقود بتأمين السكن البديل وتثبيت تعويض الإخلاء والمساعدة على تأمين المسكن البديل،.
ثالثا – ربط السياسة السكنية بخطة شاملة قوامها المشاريع السكنية برعاية الدولة، والإيجار التملكي، علما أننا تقدمنا بهذه المشاريع منذ العام 2005، بعد دراستها لمدة أكثر من سنة بالتعاون بين لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين والمؤسسة الوطنية للإسكان. وهي لا تزال في أدراج المجلس النيابي.
رابعا – إنشاء وزارة للإسكان تعنى بمتابعة الخطط قي مجال السكن وترسم السياسات المستقبلية لهذا القطاع الحيوي.
خامسا – كما نطالب بتعديل القانون 159 / 1992 المتعلق بالتعاقد الحر باتجاه تحديد واضح للزيادات وجعل مدة العقد خمس سنوات قابلة للتجديد. هذا، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار.
سادسا – عدم التعرض لحقوق أصحاب المحلات التجارية والحرفية والصناعية الصغيرة.
السيدات والسادة
مرة جديدة، نستعيد مقررات المؤتمر الوطني الأخير للمستأجرين، المنعقد في الخمس من تموز 2017، ونقول أننا سنتابع نضالنا من أجل قانون جديد للإيجارات. قانون عنوانه “حق السكن” لكل اللبنانيين دون تمييز وليس لحفنة من السماسرة.
قانون يستند إلى سياسة تأخذ بعين الاعتبار أوضاع اللبنانيين الاجتماعية والمادية والعمرية.
قانون يعمل على إعادة النسيج الاجتماعي المترابط إلى المدن بدل تحويلها إلى مراكز سكنية فارغة يعيش فيها الأغنياء من لبنانيين وغير لبنانيين.
قانون يحدد سقفا لأسعار السكن، ويحدد بدلات الإيجار استنادا إلى الحد الأدنى للأجور وإلى معدلات التضخم.
قانون يحافظ على الطابع الترائي والعمراني للعاصمة والمدن الأخرى,
قانون يضع سياسة ضرائبية وغرامات على عشرات آلاف الشقق الفارغة المنتشرة في أحياء بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها.
وستكون لنا تحركات متتالية، ابتداء من الأسبوع المقبل، كما وسيعلن عن هذه التحركات في حينه.
عاش لبنان بلدا تسوده العدالة ويتمتع أبناؤه بحماية القانون وليس بسلطة أصحاب المال وتجار العقارات.
وإلى اللقاء في الأسبوع المقبل.
لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان
بيروت في 6 آذار 2018